قصة المارد الجبار

 

صورة من قوقل

منذ أكثر من 1400 سنة ، حدثت هذه القصة ، في تلك الأيام البعيدة ، كان يعيش في بلاد العرب ، في مدينة مكة ، شاب قوي قوي بالغ القوة ، طويل عريض ، مفتول العضلات ، أحمر الوجه ، في نظراته قسوة ، تلقي الرعب في النفوس ، وفي صوته عنف رهيب ، يثير الفزع في القلوب .


طفولة المارد الجبار :

وعندما كان صغيرًا ، كان يمتاز بالجرأة الشديدة ، وحب المغامرة ، وكان يهوى النزال والعراك والمصارعة : صارع أقرانه من الفتيان فغليهم جميعًا ! وصارع من يكبرونه من الشبان فهزمهم جميعًا ، وأصبح معروفًا بينهم باسم : الزعيم ، البطل الذي لا يغلب .

المارد الجبار وشبابه :

وكبر ، وأصبح شابًا ، فأصبح الفارس المغوار ، الذي لا يشق له غبار ، بارعًا في الضرب بالسيف والرمح ، والسهام والنبال ، إذا سار أفسح له الجميع الطريق ، ودبّ الرعب في نفوسهم ، لأنه كان شديد البطش ، وكان فظًا غليظًا عنيفًا قاسيًا لا يرحم .


قوة المارد الجبار :

ولما لم يجد أحدًا من الفتيان أو الفرسان ، يجاريه في قوته وبأسه ، كان يخرج بفرسه إلى الجبال ، يطارد الوحوش في الهضاب والوديان ، ويصيدها بالسهام والنبال ، ويصيبها الموت برمحه الفتاك ، وسيفه البتار .


إبل المارد الجبار والزعر :

وكان كعادة العرب يرعي إبل أهله ، وفي يوم من الأيام ، ساق الإبل أمامه ، واتجه بها إلى مكان غني بالعشب والشجر ، لترعى فيه ، وكان قد سبقه إلى هذا المرعى الخصيب بعض الرعاة ، وكانت إبلهم ترعى سعيدة بالعشب النضير ، والماء الوفير ، وفجأة : لمح الرعاة إبل المارد الجبار تتجه إليهم ، فهبوا مذعورين ، كأن عقارب الدنيا كلها قد لسعتهم ، وأسرعوا يسوقون إبلهم بعيدًا عن هذا المكان ، ليتقوا شر هذا الجبار الذي لايرحم .



ابنة المارد الجبار :

وكعادة العرب أيضًا في تلك الأيام ، كان الواحد يضيق إذا ولدت له بنت ، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم : {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } صدق الله العظيم .

وفي يوم من الأيام ، ولدت زوجة المارد الجبار بنتًا ، فغضب وضاق بهذا أشد الضيق ، ومرّت الأيام ، حتى جاء يوم كان يجلس فيه بجوار الكعبة ، فعيّره أحد الرجال بابنته ، فاستشاط الجبار غضبًا ، وقام من فوره وذهب إلى بيته ، واندفع كالإعصار ، وانتزع ابنته من أحضان أمها ، وحملها وخرج .


قسوة ووحشية المارد الجبار :

وسار حتى وصل إلى الصحراء ، في ضواحي مكة ، ثم حفر حفرة في الرمال ، وأمسك ابنته الصغيرة ، وهي تنظر إليه في براءة الملائكة ، ووضعها في الحفرة ، فبدأت تصرخ ، ولكنه ردم فوقها الرمال في عنف وقسوة ، ودفنها وهي حية ، ثم نفض يديه وملابسه من التراب ، وعاد إلى بيته كأن شيئًا لم يحدث! فهل رأيت قسوة ووحشية أكثر من هذا !

ظهور الإسلام :

وفي تلك الأيام ظهر الإسلام ، وأشرق بنوره ، وبدأ الرسول صلى الله عليه وسلم ، يدعو قومه سرًا إلى عبادة الله الواحد القهار ، وترك عبادة الأصنام ، وأسلم عدد قليل ، ولاقى المسلمون الأوائل ألوان من التعذيب والاضهاد لا حصر لها ، وكان المارد الجبار من أشد الناس تعذيبًا للمسلمين .


مشاركة المارد الجبار في تعذيب المسلمين :

وكانت عنده جارية اسمها زنيرة ، أسلمت فكان المارد يذيقها العذاب ألوانًا ، ليلاً ونهاراً ، حتى فقدت بصرها ، وأصيبت بالعمى ، وحلّ بها الهزال ، وأصابتها الأمراض ، ولكنها ثبتت على دين الإسلام ، ورفضت أن تعود إلى الشرك بالله ، وإزداد ضيق المارد الجبار بالإسلام والمسلمين ، ووجد أن التعذيب لا يزيدهم إلا تمسكًا بدين الله !.



البحث عن الرسول لقتله :

ففكر المارد الجبار ، ماذا يفعل ؟ وهو الذي لا يطيق أن يخالفه أحد من الأبطال ، فكيف يقبل أن تتحداه جارية اشتراها بالمال ؟..ووصل به تفكيره إلى أن الحل الوحيد هو أن يقتلع المشكلة من جذورها ، ويتخلص من الإسلام بأن يقتل الرسول الذي يدعو إلى الإسلام ، وسار يبحث عن (محمد) ليقتله !



دخول أهل المارد الجبار في الإسلام :

فقابله رجل من شيوخ قريش ، وقال له : بدلاً من أن تظهر قوتك على ضعفاء المسلمين ، أرنا ماذا تستطيع أن تفعل مع أختك وزوجها ؟ فصاح فيه المارد الجبار : ماذا فعلا ؟ قال الرجل : لقد دخلا في دين الإسلام ، وهما الآن يقرآن قرآن محمد في بيتهما سرًا ! صاح المارد صيحة رهيبة زلزلت أركان المكان !


نعم أسملنا :

واتجه إلى بيت أخته وزوجها ، والشرر يتطاير من عينيه ، ووصل إلى البيت فسمع همسًا من وراء الباب ، ووقف ينصت ، فسمع قراءة لكلام لم يسمع مثله أبدًا ، فتأكد أن أحدًا يقرأ القرآن ، فدق الباب بعنف وقوة ، ودخل وهو يصيح فيهما بما سمعه عن دخولهم في دين الإسلام ، فقال له زوج أخته وقد امتلأ قلبه بقوة الإيمان : نعم .. أسلمنا .


فهجم عليه المارد الجبار ، وألقاه على الأرض ، وأنهال عليه ضربًا بعنف ، وقسوة فأرادت الأخت أن تنقذ زوجها من بطش أخيها الجبار ، فاتجه إليها ، وضربها على وجهها بشدة ، فسال الدم من أنفها ، ثم ضربها على رأسها ، فتفجرت منه الدماء بقوة ، ولكنها اتجهت إلى أخيها المارد الجبار ، والدماء تغمر وجهها ورأسها ، وصاحت بقوة الإيمان ، وعزة المؤمن : نعم أسلمنا ..فافعل بنا ما تشاء ! اقتلنا إذا أردت .. ولكننا لن نرجع عن الحق بعد أن عرفناه .


سر هذا الدين :

ونظر المارد الجبار إلى أخته ، والدماء تغطي وجهها ورأسها ، فشعر ببعض الندم ، ودهش من شجاعتها وشجاعة زوجها ، وجرأتها أمامه ، وهو الجبار الذي يرتجف أمامه الجميع ، وتذكر شجاعة جاريته زنيرة ، وثباتها على دينها ، فأراد أن يعرف سر هذا الدين الجديد ، الذي يبحث في نفوس أصحابه هذه العزة والشجاعة النادرة .


لا يمسه إلا المطهرون :

فطلب من أخته أن يرى هذا القرآن ، فقالت له بقوة وتصميم : إنه في هذه الصحيفة ، وهو كلام رب العالمين ، لا يمسه إلا المطهرون ، فاذهب أولاً واغتسل ، ثم اقرأ ما فيها ، صمت المارد الجبار ، وقد وجد أول مره أحدًا يتحداه ، ويصدر إليه الأوامر ، ولدهشته وجد نفسه يطيع أخته ، ويذهب إلى مكان في المنزل ، ويغتسل ثم يعود .


سورة طه :

ثم أخذ الصحيفة ، ويقرأ قول الله تعالى : {طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ * إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ * تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى * الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ * وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ * وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ * إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى}صدق الله العظيم .


إسلام المارد الجبار :

أثرت هذه الكلمات الإلهية في نفس المارد الجبار ، فخشع قلبه ، وخشعت جوارحه ، وأدرك أن هذا الكلام ليش من قول بشر ، ونظرت أخته إليه ، فوجدت الدمع يسيل من عينيه ، وقال بخشوع : دلوني على محمد ، وذهب اليه وأسلم على يديه ، وقال : أشهد أن لا إله إلا الله .. وأشهد أنك يا محمد رسول الله .


موقع قصص

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

«بوزلوف» كلمة ليست كما تعودنا على معناها...تعرفوا على "بن زلوف" أول شهيد للمقصلة في الجزائر.

مواقع مفيدة لكل باحث عن الفائدة والمنفعة

تعرف على موقع "ستريت بنك" وفكرته الخلاقة التي تستحق الانتشار!